عاد الرجل الى بيته ووجد الزوجة مشغولة باعداد الطعام للعشاء .
وقف على مسافة ستة أمتار وسألها : ' ماذا تعدين للعشاء؟'
لم يسمع جوابا .
أقترب لمسافة ثلاث أمتار ، وسال : ' ماذا تعدين للعشاء؟'
لم يسمع جوابا.
أخيرا وقف وراء ظهرها مباشرة وسال : ' ماذا تعدين للعشاء ؟'
التفتت اليه غاضبة واجابته بعصبية : ' للمرة الثالثة أقول لك باذنجان متبل '
الحوار هو مناقشة بين شخصين أو أكثر بهدف الوصول إلى الصواب، أو التعرف على وجهة نظر الطرف المحاور و منطلقاته الفكرية ، مع الاقرار بحق كل طرف في تبني ما يراه حقاً .
المجتمعات المتقدمة يعرف أفرادها وتجمعاتها كيف يديرون حواراً بينهم، وكيف يخرجون من هذا الحوار بنقاط متفق عليها ونقاط مختلف عليها تنتظر جولة أخرى من الحوار، وليس بالضرورة أن ينتهى الحوار إلى اتفاق كل الأطراف على كل شىء، ستبقى هناك اختلافات وتناقضات بين بعض أطراف الحوار، ولكن المهم أن هذه الاختلافات والتناقضات لا تؤدى إلى قطيعة أو كما نقول نحن- ولا نفعل- لا تفسد للود قضية.
وأولى قواعد الحوار ألا يعتقد أحد المتحاورين أنه يبدأ الحوار وهو على اعتقاد أنه يملك الحقيقة المطلقة وأنه على صواب فى كل شىء ومن ثم فهو على غير استعداد لأن يتقبل نقداً أو انتقاصاً لما يعتقده. هذه البداية تعنى إغلاق الحوار قبل أن يبدأ وتجعل الحوار لا معنى له.
أما القاعدة الثانية من آداب الحوار فهى حسن استماع كل من المتحاورين للآخر، وهذا يستتبع بالضرورة الكلام بصوت هادئ لأنك إذا انفعلت فإنك لن تسمع غيرك، ستسمع نفسك فقط، الصياح فى الحوار أو الصوت المرتفع لا تشاهده فى المجتمعات المتحضرة وإنما هو ظاهرة واضحة من ظواهر الحوار فى المجتمعات ناقصة الثقافة أو المجتمعات المتخلفة بصفة عامة.
حوار الطرشان.. يعني أن يمضي الأمر حيث يعطي كل طرف للآخر أذنه "الطرشة" أي الصماء التي لا يسمعه فيها.. وأن يجري الحوار بطريقة يتكلم فيها طرف وهو لا يسمع لصاحبه ولو مفردة.. والهدف أن يُملي طرف على آخر ما يريده من دون أن ينظر حتى في استجابته أو تفاعله. فهو يطلق كلماته لا للحوار وتبادل الراي بل ليِأمر وينهى فقط.
انه الحوار الأكثر هيمنة على الساحات الثقافية والاجتماعية والعامة , هو حوار الطرشان وحوار الويل والثبور والتآمر ... فرصة للتنفيس عن الضغائن والاحقاد المتراكمة لاسباب قد لا تتعلق بمحور النقاش بقدر ما تكون متعلقة بظرف المحاور... فتجد من يحارب فكرا بعيدا لا يعرف عنه شيئا، ويهمل كل ما يعانيه يوميا من عنت وارهاق...
هذا الحوار العقيم من أهم سماته أنه يشحن الانسان بمزيد من العداء لأدوات البناء لينشغل بالخلاف المقيت والصراعات الجانبية والحروب المجانية عن المهمة الاساسية المتمثلة في بناء مجتمع أكثر صحة وتنوعا...حوار يحمل المشارك فيه سيفه قبل كل شيء ويضع بندقيته على الطاولة قبل أن يبدأ، ويكشر عن كل العنف الذي يملكه بادئ ذي بدء... فأي خير يرتجى من هكذا حوار، وما الاختلاف بين هذا الحوار وبين الحرب....
هذا النوع من الحوار يدفع أصحابه لتعميم الأحكام و فرض تصوراتهم المستندة الى الاوهام و الخالية من أي أساليب علمية , واعطاء بيانات و احصاءات مزيفة لتاكيد مقولة بائسة هنا او للتدليل على مؤامرة متوهمة هناك ..
تسربت هذه العقلية الى الواقع الانترنتي الجديد وباتت تفعل فعلها أكثر من كل الفيروسات التقنية المدمرة...
نبدأ الحوار بشكل عقلاني و منطقي ثم لا نلبث أن نستجر الحوار إلى دائرة الخلاف والتسطيح والاسفاف... فنؤمن على قول ضعيف لأنه وافق أهواءنا، ونستنكر قولا حصيفا ونتهمه بالضحالة ناهيكم عن التآمر والعمالة والخساسة ووو ما إلى ذلك ، فقط لأنه لا يوافق أهواءنا...
إنها عقلية تتخذ الخصام دينا، لا علاقة لها بالنقد، تصر على القتل والمصادرة والذهاب إلى ابعد حد ممكن من العنف..
نحن شعب يرفض الآخر .. ولا يقبل الإختلاف .. لذلك نصبح غوغائيين في محاولة إيصال رأينا .. بل فرضه . ثقافتنا تكاد تكون معدومة .. لذلك لا حجة لدينا .. وعادةً يلجأ للصراخ من لا يملك الحجة,و نسمع أصواتنا حتى لا نعترف بهزيمتها؟؟
إذا بحثنا عن وجودنا على أساس كوننا بشرا أناسا لا يتحقق لنا وجود بغير انسجامنا مع الآخر ولا يتحقق لنا وجود بغير تفاعل وتبادل مع الآخر وبغير عطاء وبذل مثلما نأخذ ونريد؛ فحينها يمكننا القول إننا لسنا بوارد القول أن نكتفي بألسنتنا بل لابد من تشغيل الأذن ..
وحينها سيكون للأذن دور الفعل لا ردّ الفعل وسيستوي دور الأذن مع دور اللسان. فلا لغة تولد أو تُكتسَب من غير الأذن ولا حوار يجري حقا ويُسمى [الحوار] بغير تبادل الدور وتفاعله ووحدته بين اللسان والأذن..
فكلنا بحاجة للآخر وليس فينا من يسطيع العيش بوجوده الخاص بعيدا وبمعزل عن الآخر.. نحن لا نوجد بوصفنا جزرا معزولة بل نحيا لأننا نولد من بشر ونلد بشرا ونؤاخي بشرا ويؤاخينا البشر...
وحتى نلبي ما تتطلبه منّا حاجتنا للوجود الإنساني فليس لنا أن نكثر كلاما ونقل سماعا فنطلق عنان اللسان ونلغي الآذان.. يجب حتما أن نفعِّل الأذن عندنا .. وحينها فقط سينطلق الحوار فاعلا مفيدا متحركا وحينها فقط يكون لوجودنا معنى ..
بلى، عند تشغيل الأذن فقط تنطلق فلسفة الحوار وثقافته وليس من حوار بلا أذن وليس من منطق لاحترام الآخر وإعلان تفاعلنا معه بغير تشغيل الأذن وتفعيل عملها والاستماع بل الإصغاء لأصحابنا..
إنَّ ادعاء الديموقراطية أمر ليس بممكن التخفي طويلا وراء وجوده زعما بغير أن نوجد فرصة حقيقية جدية لعمل الأذن أو الاستماع للآخر ولما ينطق به.. وأول طريق تشغيل الأذن تنظيفها مما يسدها ويقفل منافذ عملها..
حتى لا يغلق آذاننا شئ من ذاك وحتى نفتحها واسعة مرتاحة بعيدة عن غيض أو إزعاج من إنصات للسان العدو قبل الصديق وجب أن ننظف تلك المسالك بأدوات التسامح والتواضع والتفاعل الإيجابي مع الآخر..
ولا تقل إني الأقل حظا في الكلام والإدلاء بدلوي فخير الكلام ما قل ودل وليترك للفعل مساحة تجعل من كل كلمة إيجاز وكثافة تحوِّل تلك الكلمة لفعل عظيم ... وليجد كل طرف السبب ليترك صاحبه هو المتكلم البادئ المسترسل وليبحث عن وسائل ما يوجز بها هو كلماته..
حينها سيكون التوازن بين دوري اللسان والأذن ممكنا بطريقة الإيجاب لا السلب ولن يطمس دور الأذن حيث رحاب الحوار وثقافته منطلقه الأذن لا اللسان..
وليس باكتشاف أن هناك حكمة مهمة بان الانسان خلق باذنين اثنين و لسان واحد!
فلتحيا الأذن أساسا لثقافة الحوار ......